[center]هنـد بنت المهلب والحجاج
من القصص الواردة في كتب التراث والأدب هذه القصة عن هند بنت المهلب والحجاج بن يوسف الثقفي ، فيها من فصاحة النساء وعزة أنفس الرجال العجب….
حكي أن هند ابنة المهلب بن أبي صفرة كانت أحسن أهل زمانها، فوصف للحجاج حسنها، فأنفذ إليها يخطبها،وبذل لها مالاً جزيلاً، وتزوج بها، وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم ، ثم إنها انحدرت معه إلى بلد أبيها المعرة وكانت هند فصيحة أديبة، فأقام بها الحجاج بالمعرة مدة طويلة، ثم إن الحجاج رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله، ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المرآة وتقول:
وما هنــد إلا مهرة عربية ..... سليلة أفراس تحللـها بغل
فإن ولدت فحلاً فلله درها ..... وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل
فانصرف الحجاج راجعاً ولم يدخل عليها، ولم تكن علمت به، فأرادالحجاج طلاقها، فأنفذ إليها عبد الله بن طاهر، وأنفذ لها معه مائتي ألف درهم، وهي التي كانت لها عليه، وقال: يا ابن طاهر طلقها بكلمتين، ولا تزد عليهما، فدخل عبدالله بن طاهر عليها، فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت، وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله ، فقالت: اعلم يا ابن طاهر: أنا والله كنا فما حمدنا، وبنافما ندمنا، وهذه المائتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف،ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها ووصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها ، فأرسلت إليه كتاباً تقول فيه بعد الثناء عليه اعلم يا أمير المؤمنين، أن الإناء ولغ فيه الكلب فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك من قولها، وكتب إليها يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب، فاغسلي الإناء يحل الاستعمال، فلما قرأت كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة، فكتبت إليه بعد الثناء عليه، يا أمير المؤمنين، والله لا أحل العقد إلا بشرط، فإن قلت ما هو الشرط? قلت: أن يقود الحجاج محملي منا لمعرة إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون ماشياً حافياً بحليته التي كان فيها أولاً،فلما قرأ عبد الملك ذلك الكتاب ضحك ضحكاً شديداً، وأنفذ إلى الحجاج وأمره بذلك، فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل الأمر ولم يخالف، وأنفذ إلى هنديأمرها بالتجهز، فتجهزت، وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند، فركبت هندفي محمل الزفاف، وركب حولها جواريها وخدمها، وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسيربها فجعلت هند تتواغد عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها، ثم إنها قالت للهيفاء: يا دايةاكشفي لي سجف المحمل، فكشفته، فوقع وجهها في وجه الحجاج، فضحكت عليه، فأنشأ يقول:
فإن تضحكي مني فيا طول ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرج
فأجابته هند تقول:
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت ... بما فقدناه من مال ومن نشب
فالمال مكتسب والعز مرتجع إذا ... النفوس وقاها الله من عطب
ولم تزل كذلك تضحك إلى أن قربت من بلد الخليفة،فرمت بدينار على الأرض، ونادت: يا جمال إنه قدسقط منا درهم، فارفعه إلينا، فنظر الحجاج إلى الأرض، فلم يجد إلا ديناراً، فقال: إنما هو دينار، فقالت: بل هو درهم قال: بل دينار، فقالت: الحمد لله سقط منا درهم،فعوضنا الله ديناراً، فخجل الحجاج وسكت، ولم يرد جواباً .