ثوابت المرأة المسلمة
مهما تأثّرت المرأة المسلمة بدعوات التحرّر، ومهما أرادت الانعتاق من "التقاليد الاجتماعية" التي تثقل كاهلها فإنها – ما دامت مسلمة - ملتزمة بأحكام شرعية ثابتة بالقرآن والسنّة والإجماع، هي عبارة عن ثوابت دينية لا تقبل اجتهاداً أيّاً كان مبناه ودوافعه فضلاً عن التجاوز تحت أيّ ذريعة مصلحية أو تجديدية أو غيرها لأنّ المساس... بهذه الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة ليس سوى هدم لبناء الإسلام في مجال الأحوال الشخصية ولنسيجه الاجتماعي بأكمله، وتتمثّل هذه الثوابت في الآتي:
1.الميراث: نصيب المرأة من التركة هو نصف نصيب الرجل في حالتين أساسيّتين:
أولا: الأخت : " يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثيين " – سورة النساء11
ثانيا: زوجة المتوفى : " ولكم نصف ما ترك أزواجكم (...) ولهنّ الربع ممّا تركتم "- سورة النساء 12
وخلافاً لما يظنّ من ليس له علم بالقرآن فإنّ نصيب الأنثى لا يساوي شطر نصيب الذكر في جميع الأحوال، فقد يتساوى نصيبهما:
- "ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس" – سورة النساء 11
- "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحد منهما السدس" – سورة النساء 12
بل قد تأخذ المرأة أكثر من نصيب الرجل إن كان عمّاً مثلاً : " فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف " – سورة النساء 11 ، فقد تأخذ المرأة نصف التركة ويتقاسم باقي الورثة - من غير الإخوة طبعاً - النصف الآخر ويكون نصيبها بالتالي أكبر .
ومهما يكن فإن المؤمنة – كالمؤمن - لا تجادل في أوامر الله سواءً عرفت الحكمة منها أو لم تعرف: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً " – سورة الأحزاب 36، فلا يجوز لمسلمة متعلّمة أو غير متعلّمة مهما كان اتجاهها الفكري أو السياسي أن تطالب بتعديل هذا الحكم الشرعي لأنّ في ذلك اتهاماً للوحي المنزّل بدعوى انحيازه للرجل، وهذا ما لا يجرأ عليه من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد - صلى الله عليه وسلم - نبيّاً ورسولاً.
2. الشهادة: ماذا يضير المرأة المسلمة أن تعادل شهادتها نصف شهادة الرجل إذا كان الله تعالى قد شرع ذلك في آية محكمة من كتابه؟ وبعيداً عن التفاصيل التي ذكرها الفقهاء في شهادة المرأة ومجالاتها وشروطها فإنّ البصيرة لا تخطئ مواطن الحكمة الربانية التي أعطت للمرأة في هذه القضية ما لم تعطِ الرجل من حقّ مراجعة الغير والتأكّد والتوثيق: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى " – سورة البقرة 282
وسواء في الميراث أو الشهادة لا ينبغي للمسلمين أن يلقوا بالاً لدعاوي العلمانيين الذين يزعمون أنّ هذه الأحكام فيها انتقاص لكرامة المرأة وحقوقها وحكمٌ عليها بنقص الأهلية وتثبيتٌ لهيمنة الرجل، ولسنا بصدد درء هذه الشبهات وإنما غرضنا بيان التزام المسلمة بأحكام الشرع وهي مطمئنّة إلى حكمة الله وعدله، فهو ربّ الذكر والأنثى،وهو يعلم ،والبشر لا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء، وأين مزاعم العلمانيين من محكمات الشرع؟ : " قل أأنتم أعلم أم الله " – سورة البقرة 140
3. تعدّد الزوجات: هذا حكم ثابت بالقرآن الكريم ،ووقع عليه إجماع المسلمين وعملوا به منذ عصر الصحابة ولم تثر الشبهة حوله إلاّ بعد ضعف الأمّة الإسلامية واستقواء الغرب بالاستعمار والاستشراق ونشوء بطانة بين أظهرنا تتذرّع بتحرير المرأة وتهاجم الأحكام الشرعية... " وفيكم سمّاعون لهم " – سورة التوبة 47، فأمّا المرأة المسلمة فلا يسعها إلاّ الامتثال لهذه الرخصة التي أعطاها الخالق عزّ وجلّ للرجل، وله في ذلك حكَم جليلة بسط العلماء القول فيها، وتحذَر المؤمنة التقية الانقياد وراء ذريعة "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم" – سورة النساء 126، فهذا يخصّ الجانب العاطفي الذي لا يقع تحت طائلة الحساب والمؤاخذة، وقد عدّدت أجيال وأجيال وهذه الآية قائمة لم تمنعهم من ذلك لأنّهم فهموا معناها وكانوا يحرصون على العدل المادّي بين النّساء ،أي في النفقة والمعاشرة الزوجية .
قد لا تقبل المرأة أن يتزوّج بَعلها عليها، هذا من حقّها ،لكنّ الذي لا يجوز بحال هو المطالبة بإلغاء التعدّد كما تفعل الحركات النسوية العلمانية لأنّ في ذلك اعتراضاً على حكم الله تعالى ومُكابرةً وقحة.
4. الزواج بالكافر: مهما كان في دين المسلمة رقّة ،ومهما كان عندها تقصير في أداء الفرائض واجتناب المعاصي فإنّها لا تُقدم على الزواج بغير المسلم لأنّ هذا محرّم بنصّ القرآن ، بل لعلّه بلغ درجة المعلوم من الدين بالضرورة، يقول الله تعالى : "ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" – سورة البقرة 221، أي لا تزوّجوهم بناتكم إلاّ إذا دخلوا الإسلام، ويقول : "فإن علمتموهنّ مؤمنات فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار، لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ" – سورة الممتحنة 10
وهذا نهي صريح لا مجال للتساهل فيه أو تعدّد الآراء والاجتهادات.
5. الحجاب: فرض الله تعالى على المسلمة لباس الاحتشام صوناً لعرضها وحفظاً لكرامتها حتى لا تغدو فتنةً للناس ولا فريسةً لمن في قلوبهم مرض، فأوجب عليها ستر جسدها بلباس سابغ واسع فضفاض وتغطية شعرها ،وذلك في حضرة من ليسوا من محارمها، قال تعالى : " يا أيّها النبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً" – سورة الأحزاب 59، وقال "وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ ..." – سورة النور 31
ولم يكن لباس المرأة مشكلةً منذ فرضه الله تعالى ولا دار حوله نقاش ولا تخلّت عنه المسلمات إلاّ بعد دخول الاستعمار البلادَ الإسلامية واستفحال التبعية للغرب واستهداف حملات التشويه لكلّ ما يلتزم به المسلمون ،خاصة ما تعلّق بالأخلاق والعفّة والتميّز الإيماني.
ويكذب من يزعم أن الحجاب يحبس المرأة في ظلمة الجهل ويقزّم شخصيّتها ويعطّلها عن العطاء العلمي والعملي، والواقع يرد هذه التّرّهات من أساسها.
هذه أهمّ ثوابت المرأة المسلمة، وهي الهدف الدائم المستمرّ للمؤامرات المتستّرة بتحرير المرأة وترقيتها، فعلى المسلمة الثبات على دينها والاستعانة بربّها وإحباط المخططات المعادية بمزيد من الالتزام والفهم الصّحيح